بسم الله الرحمن الرحيم
قد دل النصوص الكثيرة على أن السنة مصدر للتشريع و استفادة الأحكام منها, و قد اتفق علماء الأمة على حجية السنة النبوية مصدرًا للتلقي بعد القرآن الكريم, فالأدلة التي تدل دلالة واضحة على مكانة السنة وحجيتها, منها:
الأول : قرن طاعة الله بطاعة رسوله ، قال تعالى : { يـا أيّها الّذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول}. (النساء: 59), ثم فجعل الله تعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من طاعته . قال الله تعالى : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}. (النساء: 80).
الثاني : وأمر سبحانه وتعالى بالرجوع و رد الحكم " عند الاختلاف والتنازع " إلى الله –يعني القرآن- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في حياته ، ورده إلى سنته بعد وفاته، فقال: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }. (النساء: 59).
الثالث : أمر سبحانه بأخذ ما يأتينا به الرسول و الإبتعاد عن ما ينهانا عنه, قوله تعالى: { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }. (الحشر: 7).
الرابع : وقد نفى الله تعالى الإيمان عن الذين لم يقبلوا بقضاء الرسول عليه الصلاة والسلام لهم، فقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }. (النساء: 65).
الخامس: حذر الله عز وجل من مخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وتوعد من عصاه بالخلود في النار ، قال تعالى : { فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبُهم عـذاب ألـيم } (النور: 63).
منزلة السنة من القرآن
وقد أوضح الأئمة العلماء منزلة السنة من القرآن وأنها على ثلاثة أحوال :
الأول : أن تأتي السنة مؤكدة لآيات من القرآن و مقررة لأحكامه, ومثاله: وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ،
كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان )( رواه البخاري .فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى في شأن الصلاة والزكاة: { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْتُرْحَمُونَ } (النور: 56 ) .
ولقوله تعالى في شأن الصوم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة: 183) .
ولقوله تعالى في شأن الحج : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (آل عمران: 97).
الثاني : أن السنة مبينة لكتاب الله
قال سبحانه: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44).
وبيان السنة للقرآن يتمثل في عدة وجوه :
1) بيان ما أجمله : فقد جاء الكثير من أحكام القرآن العملية مجملة فبينتها السنة ..
ومن ذلك أن الله تعالى أمر بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأصحابه كيفيتها وأمره لهم بأدائها كما أداها فقال صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي " رواه البخاري .
وكذلك الزكاة والحج والصوم وأحكام الطهارة والذبائح والصيد والأنكحة وأحكام البيوع والجنايات والحدود وغير ذلك مما وقع في القرآن مجملاً وفصَّله النبي صلى الله عليه وسلم .
2) تخصيص عامِّه: فقد ورد في القرآن الكريم أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها .
فمن ذلك قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } (النساء: 11) .
فهذه الآية عامة مطلقة في كل موروث ، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء فقال صلى الله عليه وسلم: " لا نورث ما تركنا صدقة " رواه البخاري.
3) تقييد مطلقه : فقد ورد في القرآن أحكام مطلقة جاءت السنة بتقييدها .
من ذلك قوله تعالى : {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } (النساء:11).
فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم تحدد مقدارها فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث.
4) توضيح المشكل: أشكل على كثير من الصحابة فهم بعض الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلميوضح لهم ما أشكل عليهم .
ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
" لما نزلت آية { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82)، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لم يلبس إيمانه بظلم ، ففهم الصحابة أن المراد بالظلم في الآية عموم الظلم فقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض الحقوق فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال بأن الظلم ليس على عمومه وإنما المقصود منه أعظم أنواعه الذي هو الشرك بالله عز وجل ".
الثالث : أن تأتي السنة بأحكام زائدة على ما في القرآن
ومن أمثلة هذا النوع الأحاديث التي تحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وتحريم الحُمُر الأهلية ، و كل ذي ناب من السباع ، ورجم الزاني المحصن ، والمسح على الخفين ، وصلاتي الكسوف والخسوف ، والشفعة ، والمضاربة ، واللقطة ، وغير ذلك مما هو تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله طاعته.
وبهذا نتبين منزلة السنة ومكانتها في التشريع وأنه لا يمكن الاستغناء عنها بحال بل لا يمكن أن يفهم الكتاب دونها.
وبالله التوفيق, و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و بارك و سلم.
والحمد لله رب العالمين.
اعتنى به : أبو جرير أيري تريونو الأندونيسي
المادة : أصول الدعوة .- يقدم للجامعة المدينة العالمية